جدران ذكية لهواء داخلي أكثر صحّة
ماذا لو استطاعت المباني أن تتنفّس؟ هذا هو التحدي الذي تواجهه باحثو ETH Zurich، حيث صمّموا أغلفة جدران وأسقف ثورية. مصنوعة من نفايات معدنية ومطبوعَة بتقنية 3D، تمتص هذه العناصر الرطوبة الزائدة في الأماكن المزدحمة مثل قاعات الاجتماعات أو المتاحف، لخلق بيئة مريحة… دون الاعتماد على أنظمة التهوية المُستهلكة للطاقة.
تحدي الأماكن المزدحمة
في الأماكن ذات الكثافة العالية، يصبح الهواء خانقًا بسرعة. تزيد عمليات التنفّس والتعرّق وحركة الأشخاص من الرطوبة، مما يدفع للاعتماد على مكيّفات الهواء أو أنظمة التهوية الميكانيكية. ورغم فعاليتها، إلا أن هذه الحلول تستهلك طاقةً كبيرة وتزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
يقدّم فريق البروفيسور غيوم هابيرت، المتخصص في البناء المستدام بـ ETH Zurich، حلاً سلبيًا: جدران تخزّن الرطوبة مؤقتًا وتعيد إطلاقها أثناء التهوية. تقول ماجدا بوساني، الفيزيائية المعمارية: “هذه التكنولوجيا مثالية للأماكن التي تفشل فيها الأنظمة التقليدية”.
نفايات الرخام تتحوّل إلى مادة عالية التقنية
في صميم هذا الابتكار، توجد مادة ماصّة للرطوبة مصنوعة من بقايا محاجر الرخام، مدمجة مع رابط جيوبوليمري منخفض الكربون. يُنشَّط هذا المزيج بمحلول قلوي، ليحل محل الإسمنت التقليدي ويقلل من الانبعاثات أثناء الإنتاج.
باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، يصمّم الباحثون هياكل خفيفة الوزن: تُصلَّب مسحوق الرخام طبقة تلو الأخرى بالرابط، مما يتيح تصنيعًا مخصصًا دون نفايات. يوضّح بنجامين ديلينبرغر، خبير التكنولوجيا الرقمية في البناء: “هذه الطريقة تمنح حرية معمارية كاملة”.
زيادة الراحة بنسبة 75%، وخفض الانبعاثات 85%
لاختبار فعالية الجدران، قامت ماجدا بوساني بمحاكاة استخدامها في مكتبة برتغالية تستقبل 15 شخصًا. النتيجة: مع جدران بسُمك 5 سم، انخفض عدم الراحة بسبب الرطوبة بنسبة 85% مقارنة بالجدران العادية. والأفضل، أن هذه المكوّنات تُنتج غازات دفيئة أقل من أنظمة التهوية الميكانيكية على مدى 30 عامًا.
مقارنةً بالطين التقليدي (الذي ينظّم الرطوبة)، تتفوّق مادة ETH Zurich في سعتها التخزينية، رغم أن الطين يظل أكثر صداقةً للبيئة.
نحو بناء خالٍ من الكربون
يدخل هذا المشروع في إطار الاقتصاد الدائري والابتكار المستدام. يتعاون الباحثون الآن مع جامعات أوروبية لتحسين الإنتاج وتقليل الأثر البيئي. يؤكد هابيرت: “تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 يتطلّب إعادة التفكير في كل مرحلة من مراحل البناء”.
بجدرانها المطبوعة بتقنية 3D، تفتح ETH Zurich الطريق أمام جيل جديد من المباني الذكية، حيث تتعايش التكنولوجيا والبيئة لتحسين حياتنا اليومية.