في إنجلترا خلال القرن السادس عشر، كانت ممارسات النظافة تختلف بشكل كبير عن ما نعرفه اليوم. واحدة من العادات البارزة في تلك الفترة كانت الاستحمام السنوي، الذي كان يُجرى عادة في فصل الربيع. هذه العادة كانت جزءًا من الثقافة السائدة آنذاك، وقد أثرت حتى على المناسبات الاجتماعية الهامة مثل حفلات الزواج، التي كانت تُقام في الغالب في شهر يونيو. تعكس هذه الممارسة الظروف المعيشية الصعبة في تلك الفترة، حيث كان الوصول إلى المياه النظيفة والحفاظ على النظافة تحديًا كبيرًا.
الاستحمام السنوي: طقس عائلي
في تلك الفترة، كان الاستحمام عملية معقدة. كانت العائلات تستخدم براميل أو أحواض كبيرة مملوءة بالماء الساخن، والذي كان يعتبر رفاهية نادرة. كان الاستحمام السنوي يحدث غالبًا في شهر مايو، حيث كان الطقس الدافئ يجعل هذه المهمة أكثر تحملًا بعد أشهر الشتاء الطويلة.
لكن، لم يكن الاستحمام يجري كما قد نتخيله اليوم. كان الأب، باعتباره رب الأسرة، له الأولوية في الاستحمام أولًا في ماء نظيف. بعده، يأتي دور الرجال الآخرين في المنزل، ثم النساء، وبعدهم الأطفال، وأخيرًا الرضع. ومع كل شخص يستحم، كان الماء يصبح أكثر تلوثًا. وفي النهاية، كان الماء يصبح عكرًا لدرجة أنه لم يعد من الممكن الرؤية من خلاله.
ألهمت هذه الممارسة العبارة الإنجليزية الشهيرة “Don’t throw the baby out with the bathwater” والتي تعني “لا ترمِ الطفل مع ماء الحمام”. وتُستخدم هذه العبارة كتحذير بعدم التخلص من شيء ثمين (الطفل) أثناء محاولة التخلص من شيء غير مرغوب فيه (الماء المتسخ). وتشير إلى مدى قذارة الماء بحلول الوقت الذي ينتهي فيه الاستحمام.
النظافة في القرن السادس عشر: مسألة عملية
كانت الظروف الصحية في إنجلترا خلال القرن السادس عشر بدائية. كان الاستحمام نادرًا، وكان الاستحمام مرة واحدة في السنة كافيًا للكثيرين. في الواقع، كان يُعتقد أن الاستحمام المتكرر يمكن أن يُضعف الجسد ويجعله عرضة للأمراض. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الوصول إلى الماء النظيف أمرًا سهلًا، وكانت عملية تسخين كميات كبيرة من الماء تتطلب وقتًا وتكلفة، مما جعل المهمة طويلة ومكلفة.
لهذا السبب، اعتمد الناس على وسائل أخرى لإخفاء الروائح الكريهة، مثل استخدام العطور أو الأعشاب أو بتلات الزهور التي كانوا يضعونها في ملابسهم. وكانوا أيضًا يضعون الزهور في المنازل وفي حفلات الزفاف لإخفاء الروائح غير المرغوبة التي قد تبقى حتى بعد الاستحمام السنوي.
حفلات الزواج في يونيو: عادة مرتبطة بالنظافة
كان شهر يونيو هو الأكثر شعبية لإقامة حفلات الزواج، ليس فقط بسبب الطقس الجيد وأيامه الطويلة، ولكن أيضًا لأنه يأتي بعد استحمام شهر مايو السنوي. كان الناس يشعرون بنظافتهم النسبية في هذه الفترة، مما جعلها مناسبة مثالية لتنظيم المناسبات الاجتماعية الهامة مثل الزواج.
في مجتمع كانت النظافة فيه نوعًا من الرفاهية، كان الزواج بعد الاستحمام السنوي يحمل رمزية خاصة. حيث شعر الأزواج بأنهم يبدأون حياتهم الجديدة معًا بطريقة نظيفة وجديدة، من الناحيتين الجسدية والمعنوية. كما كان شهر يونيو مرتبطًا بالاحتفال بعيد القديس يوحنا المعمدان في 24 يونيو، مما زاد من شعبية هذا الشهر لإقامة حفلات الزواج.
النظافة والرمزية في حفلات الزواج
كانت حفلات الزواج في القرن السادس عشر مليئة بالرموز، وكان مفهوم الطهارة والنظافة في صلب هذه الاحتفالات. كانت الزهور تلعب دورًا مهمًا في هذه المناسبات، ليس فقط لجمالها، ولكن أيضًا لعطرها. كانت الزهور ترمز إلى الخصوبة والازدهار، وهما من الصفات التي كانت مرغوبة في الزواج.
كما أن توقيت حفلات الزواج بعد الاستحمام السنوي كان يعكس فكرة الطهارة والتجدد. ورغم أن معايير النظافة كانت محدودة، إلا أنها كانت تعتبر عنصرًا مهمًا في هذه الأحداث، مما يظهر كيف كانت النظافة، حتى في أبسط أشكالها، مرتبطة بالحياة الاجتماعية والدينية في ذلك الوقت.